الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن أنس قال: (قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة). رواه الترمذي وصححه. 2 - وعن عائشة قالت: (سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن التلفت في الصلاة فقال: اختلاس يختلسه الشيطان من العبد). رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود. 3 - وعن أبي ذر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا يزال اللَّه مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه). رواه أحمد والنسائي وأبو داود. الحديث الثالث في إسناده أبو الأحوص الراوي له عن أبي ذر. قال المنذري: لا يعرف له اسم لم يرو عنه غير الزهري وقد صحح له الترمذي وابن حبان وقال ابن عبد البر: هو مولى بني غفار إمام مسجد بني ليث. قال ابن معين: أبو الأحوص الذي حدث عنه الزهري ليس بشيء وليس لقول ابن معين هذا أصل إلا كونه انفرد الزهري بالرواية عنه. وقد قيل له ابن أكيمة لم يرو عنه غير الزهري فقال يكفيك قول الزهري حدثني ابن أكيمة فيلزمه مثل هذا في أبي الأحوص لأنه قال في حديث الباب سمعت أبا الأحوص. وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم. قوله (هلكة) سمى الالتفات هلكة باعتبار كونه سببًا لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة أو لكونه نوعًا من تسويل الشيطان واختلاسه فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان وإتباع الشيطان هلكة أو لأنه إعراض عن التوجه إلى اللَّه والإعراض عنه عز وجل هلكة. وقد أخرج الترمذي من حديث الحارث الأشعري وصححه من حديث طويل: (إن اللَّه أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن اللَّه تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت) ونحوه حديث أبي ذر المذكور في الباب. قوله (فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة) فيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع والمنع من ذلك في صلاة الفرض. قوله (اختلاس يختلسه الشيطان) الاختلاس أخذ الشيء بسرعة يقال اختلس الشيء إذا استلبه. وفي الحديث النهي عن الخلسة بفتح الخاء وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. وفي النهاية الاختلاس افتعال من الخلسة وهو ما يؤخذ سلبًا. وقيل المختلس الذي يخطف الشيء من غير غلبة ويهرب ونسب إلى الشيطان لأنه سبب له لوسوسته به وإطلاق اسم الاختلاس على الالتفات مبالغة. وأحاديث الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور على أنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة. والحكمة في التنفير عنه ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن اللَّه تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان. 2 - وعن سهل بن الحنظلية قال: (ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب). رواه أبو داود قال: وكان أرسل فارسًا إلى الشعب من الليل يحرس. الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وقال: على شرط الشيخين وحسنه الحازمي. وأخرج الحازمي في الاعتبار عن ابن عباس أنه قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يلتفت في صلاته يمينًا وشمالًا ولا يلوي عنقه خلف ظهره) قال: هذا حديث غريب تفرد به الفضل بن موسى عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي هند متصلًا وأرسله غيره عن عكرمة قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وقال: لا بأس بالالتفات في الصلاة ما لم يلوِ عنقه وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة ثم ساق الحازمي حديث الباب بإسناده وجزم بعدم المناقضة بين حديث الباب وحديث ابن عباس قال: لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة فكان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يلتفت إليه ولا يلوي عنقه. ـ واستدل ـ على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى ابن سيرين قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا فلما نزل
1 - عن أبي سعيد: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه). رواه أحمد. الحديث أخرجه أحمد في مسنده عن مولى لأبي سعيد الخدري قال: (بينا أنا مع أبي سعيد الخدري وهو مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في المسجد وسط محتبيًا مشبكًا أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال إذا كان أحدكم) الحديث قال في مجمع الزوائد: إسناده حسن. وقد اختلف في الحكمة في النهي عن التشبيك في المسجد كما في حديث أبي سعيد وفي غيره كما في حديث كعب بن عجرة فقيل لما فيه من العبث. وقيل لما فيه من التشبه بالشيطان. وقيل لدلالة الشيطان على ذلك وجعل بعضهم ذلك دالًا على تشبيك الأحوال. قال ابن العربي: وقد شاهدت رجلًا كان يكره رؤية ذلك ويقول فيه تطير في تشبيك الأحوال والأمور على المرء. وظاهر النهي عن التشبيك التحريم لولا حديث ذي اليدين الذي سيشير إليه المصنف قريبًا. وظاهره نهي من كان في المسجد عن التشبيك سواء كان في الصلاة أم لا كما جزم به النووي في التحقيق وكره النخعي التشبيك في الصلاة وقال النعمان بن أبي عياش: كانوا ينهون عنه وروى العراقي في شرح الترمذي عن ابن عمر وابنه سالم أنهما شبكا بين أصابعهما في الصلاة. وروي عن الحسن البصري أنه شبك أصابعه في المسجد. قال العراقي: وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها فيكره أيضًا في الصلاة ولقاصد الصلاة قال النووي: وكره ذلك في الصلاة ابن عباس وعطاء والنخعي ومجاهد وسعيد بن جبير وروى أحمد والطبراني من حديث أنس بن معاذ مرفوعًا: (إن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة) وفي إسناده ابن لهيعة. ويدل على كراهة التفقيع حديث علي الآتي. 2 - وعن كعب بن عجرة قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة). رواه أحمد وأبو داود والترمذي. الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وفي إسناده عند الترمذي رجل مجهول وهو الراوي له عن كعب بن عجرة وقد كنى أبو داود هذا الرجل المجهول فرواه من طريق سعد بن إسحاق قال حدثني أبو ثمامة الخياط عن كعب. وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه هذا الحديث. الحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة. وفيه أنه يكتب لقاصد الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه. قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث: وقد ثبت في خبر ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام شبك أصابعه في المسجد وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادرًا انتهى. قد عارض حديث الباب مع ما فيه هذا الحديث الصحيح في تشبيكه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين أصابعه في المسجد وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بلفظ: (ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه) وفيهما من حديث أبي موسى: (المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه) وعند البخاري من حديث ابن عمر قال: (شبك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أصابعه) وهذه الأحاديث أصح من حديث الباب ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن تشبيكه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديث السهو كان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه ولذلك وقف كأنه غضبان. وتشبيكه في حديث أبي موسى وقع لقصد التشبيه لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان المشبك بعضه ببعض يشد بعضه بعضًا. فأما حديث الباب فهو محمول على التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه. أو يجمع بما ذكره المصنف من كان فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لذلك نادرًا يرفع التحريم ولا يرفع الكراهة ولكن يبعد أن يفعل صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما كان مكروهًا. والأولى أن يقال إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة وفعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول. 3 - وعن كعب بن عجرة (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين أصابعه). 4 - وعن علي: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: لا تفقع أصابعك في الصلاة). رواهما ابن ماجه. الحديث الأول في إسناده علقمة ابن عمر. والحديث الثاني في إسناده الحارث الأعور. قوله (ففرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين أصابعه) فيه كراهية التشبيك في الصلاة من غير تقييد بالمسجد سواء كان المصلي في المسجد أو في البيت أو في السوق لأنه نوع من العبث فلا يختص بكراهية الصلاة في المسجد. ويؤيد ذلك تعليله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للنهي عن التشبيك إذا خرج من بيته بأنه في صلاة وإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدًا الصلاة فأولى من هو في حال الصلاة الحقيقية. قوله (لا تفقع) هو بالفاء بعد حرف المضارعة ثم القاف المشددة المكسورة ثم العين المهملة وهو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت. قال في القاموس والتفقيع التشدق في الكلام والفرقعة. وفسر الفرقعة بنقض الأصابع وقد تقدم في شرح حديث أبي سعيد ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أنس وهو مما يؤيد حديث علي هذا. 5 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن التخصر في الصلاة). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود والنسائي. قوله (عن التخصر في الصلاة) وهو وضع اليد على الخاصرة فسره بذلك الترمذي في سننه وأبو داود في سننه أيضًا وفسره بذلك أيضًا محمد بن سيرين روى ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه وكذلك فسره هشام بن حسان رواه عنه البيهقي في سننه قال: وروى سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة معنى هذا التفسير وحكى الخطابي وغيره قولًا آخر في تفسير الاختصار فقال: وزعم بعضهم أن معنى الاختصار هو أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها. قال ابن العربي: ومن قال إنه الصلاة على المخصرة لا معنى له وفيه قول ثالث حكاه الهروي في الغريبين وابن الأثير في النهاية وهو أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين. وفيه قول رابع حكاه الهروي وهو أن يحذف من الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها. قال العراقي: والقول الأول هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والحديث والفقه. وقد اختلف في المعنى الذي نهى عن الاختصار في الصلاة لأجله على أقوال: الأول التشبيه بالشيطان قاله الترمذي في سننه وحميد بن هلال في رواية ابن أبي شيبة عنه. وروي أيضًا عن ابن عباس حكاه عنه ابن أبي شيبة. والثاني أنه تشبه باليهود قالته عائشة فيما رواه البخاري عنها في صحيحه. والثالث أنه راحة أهل النار روى ذلك ابن أبي شيبة عن مجاهد ورواه أيضًا عن عائشة. وروى البيهقي عن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار). قال العراقي: وظاهر إسناده الصحة ورواه أيضًا الطبراني. والرابع أنه فعل المختالين والمتكبرين قاله المهلب بن أبي صفرة. والخامس أنه شكل من أشكال أهل المصائب يصفون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في المأتم قاله الخطابي. والحديث يدل على تحريم الاختصار وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر. وذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز ومالك والأوزاعي والشافعي وأهل الكوفة وآخرون إلى أنه مكروه. والظاهر ما قاله أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي كما هو الحق. 6 - وعن ابن عمر قال: (نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده). رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ لأبي داود: (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده). 7 - وعن أم قيس بنت محصن: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه). رواه أبو داود. الحديث الأول رواه أبو داود عن أربعة من مشايخه أحمد بن حنبل وأحمد بن شبويه ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد الملك كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر. واللفظ الأول في حديث الباب لفظ أحمد بن حنبل. واللفظ الثاني لفظ محمد ابن رافع ولفظ ابن شبويه: (نهى أن يعتمد الرجل على يده) ولفظ محمد بن عبد الملك: (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة). وقد سكت أبو داود والمنذري عن الكلام على حديث ابن عمر وحديث أم قيس فهما صالحان للاحتجاج بهما كما صرح بذلك جماعة من الأئمة لكن حديث أم قيس هو من حديث عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن أبيه وأبوه مجهول. والحديث الأول بجميع ألفاظه يدل على كراهة الاعتماد على اليدين عند الجلوس وعند النهوض وفي مطلق الصلاة. وظاهر النهي التحريم وإذا كان الاعتماد على اليد كذلك فعلى غيرها بالأولى. وحديث أم قيس يدل على جواز الاعتماد على العمود والعصا ونحوهما لكن مقيدًا بالعذر المذكور وهو الكبر وكثرة اللحم ويلحق بهما الضعف والمرض ونحوهما فيكون النهي محمولًا على عدم العذر وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج في قيامه إلى أن يتكأ على عصا أو عكاز أو يستند إلى حائط أو يميل على أحد جانبيه جاز له ذلك وجزم جماعة من أصحاب الشافعي باللزوم وعدم جواز القعود مع إمكان القيام مع الاعتماد منهم المتولي والأذرعي وكذا قال باللزوم ابن قدامة الحنبلي وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي: لا يلزم ذلك ويجوز القعود.
1 - عن معيقيب: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: إن كنت فاعلًا فواحدة). رواه الجماعة. 2 - وعن أبي ذر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى). رواه الخمسة. وفي رواية لأحمد: (سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال: واحدة أو دع). الحديث الثاني في إسناده أبو الأحوص. قال المنذري: لا يعرف اسمه وقد صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما. وقد تقدم الكلام في أبي الأحوص في باب الالتفات. وهذا الحديث حسنه الترمذي. ـ وفي الباب ـ عن علي عند أحمد وابن أبي شيبة. وعن حذيفة عند ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في المسند بلفظ الرواية الآخرة من حديث أبي ذر. وعن جابر عند ابن أبي شيبة وأحمد أيضًا وفي إسناده شرحبيل بن سعد وهو ضعيف. وعن أنس عند البزار وأبي يعلى وفي إسناده يوسف بن خالد السمني وهو ضعيف جدًا. وعن السائب بن يزيد عند الطبراني وفي إسناده يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين في رواية عنه. وعن ابن عمر عند الطبراني وفي إسناده الوزاع بن نافع وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند مسلم وابن ماجه. والأحاديث المذكورة في الباب تدل على كراهة المسح على الحصى وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب وجابر ومن التابعين مسروق وإبراهيم النخعي والحسن البصري وجمهور العلماء بعدهم وحكى النووي في شرح مسلم اتفاق العلماء على كراهته وفي حكاية الاتفاق نظر فإن مالكًا لم ير به بأسًا وكان يفعله في الصلاة كما حكاه الخطابي في المعالم وابن العربي. قال العراقي في شرح الترمذي: وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه في الصلاة. وعن ابن مسعود أيضًا أنه كان يفعله في الصلاة مرة واحدة. قال: وممن رخص فيه في الصلاة أبو ذر وأبو هريرة وحذيفة ومن التابعين إبراهيم النخعي وأبو صالح. وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على المرة. قوله (فواحدة) قال القرطبي: رويناه بنصب واحدة ورفعه فنصبه بإضمار فعل الأمر تقديره فامسح واحدة ويكون صفة مصدر محذوف أي امسح مسحة واحدة ورفعه على الابتداء تقديره فواحدة تكفيه. وفيه الأذن بمسحة واحدة عند الحاجة. قوله (فإن الرحمة تواجهه) هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن لا يشغل خاطره بشيء يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها. وقد روي أن حكمة ذلك أن لا يغطي شيئًا من الحصى بمسحه فيفوته السجود عليه رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي صالح قال: إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها وقال النووي: لأنه ينافي التواضع ويشغل المصلي. وقوله (فلا يمسح الحصى) التقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور. ويدل على ذلك قوله في حديث معيقيب في الرجل يسوي التراب. والمراد بقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) الدخول فيها فلا يكون منهيًا عن مسح الحصى إلا بعد دخوله ويحتمل أن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها قال العراقي: والأول أظهر ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند القيام كما في رواية الترمذي.
1 - عن ابن عباس: (أنه رأى عبد اللَّه بن الحارث يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه فجعل يحله وأقر له الأخر ثم أقبل على ابن عباس فقال: ما لك ورأسي قال: إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف). رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. 2 - وعن أبي رافع قال: (نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل ورأسه معقوص). رواه أحمد وابن ماجه ولأبي داود والترمذي معناه. الحديث الأول أخرجه من ذكر المصنف. وأخرج الأئمة الستة أيضًا عن ابن عباس قال: (أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا) وأخرج الشيخان والنسائي وابن ماجه عنه من طريق أخرى نحوه. والحديث الثاني أخرجه ابن ماجه من رواية مخول سمعت أبا سعد رجلًا من أهل المدينة يقول رأيت رافعًا مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى الحسن بن علي رضي اللَّه عنه يصلي وقد عقص شعره فأطلقه أو نهى عنه وقال: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره) وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه بمعناه كما ذكره المصنف. ولفظه عن أبي رافع: (أنه مر بالحسن بن علي وهو يصلي وقد عقص ضفرته فحلها فالتفت إليه الحسن مغضبًا فقال: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: ذلك كفل الشيطان). ـ وفي الباب ـ عن أم سلمة عند ابن أبي حاتم في العلل بنحو حديث أبي رافع. وعن علي رضي اللَّه عنه عند أبي علي الطوسي. وعن ابن مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح. وعن أبي موسى عند أبي علي الطوسي في الأحكام. وعن جابر عند ابن عدي في الكامل وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف. قوله (عبد اللَّه بن الحارث) هو ابن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وبعدها همزة السهمي شهد بدرًا. قوله (ورأسه معقوص) عقص الشعر ضفره وفتله والعقاص خيط يشد به أطراف الذوائب ذكر معنى ذلك في القاموس. قوله (وأقر له الآخر) أي استقر لما فعله ولم يتحرك. قوله (وهو مكتوف) كتفته كتفًا كضربته ضربًا إذا شددت يده إلى خلف كتفيه موثقًا بحبل. والحديثان يدلان على كراهة صلاة الرجل وهو معقوص الشعر أو مكفوفه. وقد حكى الترمذي عن أهل العلم أنهم كرهوا ذلك. قال العراقي: وممن كرهه من الصحابة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وابن مسعود. ومن التابعين إبراهيم النخعي في آخرين. ـ والحكمة ـ في ذلك أن الشعر يسجد معه إذا سجد وفيه امتهان له في العبادة قاله عبد اللَّه بن مسعود فيما رواه ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح إليه: (أنه دخل المسجد فرأى فيه رجلًا يصلي عاقصًا شعره فلما انصرف قال عبد اللَّه: إذا صليت فلا تعقص شعرك فإن شعرك يسجد معك ولك بكل شعرة أجر فقال الرجل: إني أخاف أن يتترب فقال: تتريبه خير لك). وقال ابن عمر لرجل رآه يصلي معقوصًا شعره: أرسله ليسجد معك. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى عثمان بن عفان أنه رأى رجلًا يصلي وقد عقد شعره فقال: يا ابن أخي مثل الذي يصلي وقد عقص شعره مثل الذي يصلي وهو مكتوف. وقد تقدم تمثيل من فعل ذلك بالمكتوف مرفوعًا من حديث ابن عباس وفيه معنى ما أشار إليه ابن مسعود من سجود الشعر فإن المكتوف لا يسجد بيديه على الأرض وقد قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (اليدان يسجدان كما يسجد الوجه) وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه كان إذا صلى وقع شعره على الأرض. وظاهر النهي في حديث الباب التحريم فلا يعدل عنه إلا لقرينة. قال العراقي: وهو مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضًا فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة وقد رخص لهن صلى اللَّه عليه وآله وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعر كما تقدم.
1 - عن أبي هريرة وأبي سعيد: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحتها وقال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى). متفق عليه. وفي رواية للبخاري (فيدفنها). 2 - وعن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا قام أحدكم في صلاته فلا يبزقن قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا). رواه أحمد والبخاري. ولأحمد ومسلم نحوه بمعناه من حديث أبي هريرة. قوله (نخامة) قيل هي ما تخرج من الصدر وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس كذا في الفتح. قوله (في جدار المسجد) في رواية للبخاري (في القبلة) وفي أخرى له أيضًا (في جدار القبلة) وهذا يبين أن المراد بجدار المسجد الجدار الذي من جهة القبلة. قوله (فتناول حصاة فحتها) في رواية للبخاري (فحكه بيده) وفي رواية (فحكه) واختلاف الروايات يدل على جواز الحك باليد أو الحصى أو غيرهما مما يزيل الأثر. وقد بوب البخاري للحك باليد وبوب للحك بالحصى. قوله (قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة وجهه. قوله (ولا عن يمينه) ظاهر حديث أبي هريرة كراهة ذلك داخل الصلاة وخارجها لعدم تقييده بحال الصلاة. وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره. قال الحافظ: ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة. وعن معاذ بن جبل: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا. وقال مالك: لا بأس به خارج الصلاة ويدل لما قاله التقييد بالصلاة في حديث أنس المذكور في الباب. قوله (وليبصق عن يساره) ظاهر هذا جواز البصق عن اليسار في المسجد وغيره داخل الصلاة وخارجها. وظاهر قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) كما أخرجه الشيخان عدم جواز التفل في المسجد إلى جهة اليسار وغيرها. قال الحافظ: وحاصل النزاع أن ههنا عمومين تعارضا وهما قوله: البزاق في المسجد خطيئة. وقوله: وليبصق عن يساره أو تحت قدمه. فالنووي يجعل الأول عامًا ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي عياض بخلافه يجعل الثاني عامًا فيخص الأول بمن لم يرد دفنها. وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي والقرطبي وغيرهما. ويشهد له ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا: (فمن تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه) وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضًا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعًا قال: (من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة) فلم يجعل سيئة إلا بقيد عدم الدفن. ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعًا قال: (ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن) قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى. ومما يدل على ذلك أي تخصيص عموم قوله البزاق في المسجد خطيئة جواز التنخم في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف. وعند أبي داود من حديث عبد اللَّه بن الشخير: (أنه صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله) قال الحافظ: إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم ويؤيد قول النووي تصريحه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه بأن البزاق في المسجد خطيئة وأن دفنها كفارة لها فإن دلالته على كتب الخطيئة بمجرد البزاق في المسجد ظاهرة غاية الظهور ولكنها تزول بالدفن وتبقى بعدمه. قال الحافظ: وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن انتهى. قوله (فيدفنها) قال النووي في الرياض: المراد بدفنها إذا كان المسجد ترابيًا أو رمليًا فأما إذا كان مبلطًا مثلًا فدلكها بشيء مثلًا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذر. قال الحافظ: لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع. وعليه قوله في حديث عبد اللَّه بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله. قوله (أو يفعل هكذا) ظاهر هذا أنه مخير بين ما ذكر وظاهر النهي عن البصق إلى القبلة التحريم. ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من حديث أنس. وبأن اللَّه قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر عند البخاري. قال في الفتح: وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم. وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعًا: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه) وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعًا: (يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه) ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن جلاد: (أن رجلًا أم قومًا فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا يصلي بكم) الحديث وفيه أنه قال: (إنك آذيت اللَّه ورسوله) انتهى.
1 - عن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة العقرب والحية). رواه الخمسة وصححه الترمذي. الحديث نقل ابن عساكر في الأطراف وتبعه المزي وتبعهما المصنف أن الترمذي صححه والذي في النسخ أنه قال: حديث حسن ولم يرتفع به إلى الصحة. وأخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه. ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند الحاكم بإسناد ضعيف. وعن أبي رافع عند ابن ماجه وفي إسناده مندل وهو ضعيف وكذلك شيخه محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع. وعن ابن عمر عن إحدى نساء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند البخاري ومسلم. وعن عائشة عند أبي يعلى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصدفي ضعفه الجمهور. وعن رجل من بني عدي بن كعب عند أبي داود بإسناد منقطع. قوله (أمر بقتل الأسودين) تسمية الحية والعقرب بالأسودين من باب التغليب ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية. والحديث يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي. وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك منهم إبراهيم النخعي وكذا روي ذلك عن إبراهيم ابن أبي شيبة في المصنف. وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن قتادة أنه قال: إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها. قال العراقي: وأما من قتلها في الصلاة أو هم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر روى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب فضربها بنعله. ورواه البيهقي أيضًا وقال فضربها برجله وقال حسبت أنها عقرب. ومن التابعين الحسن البصري وأبو العالية وعطاء ومورق العجلي وغيرهم انتهى. ـ واستدل ـ المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير كالهادوية والكارهون له كالنخعي بحديث (إن في الصلاة لشغلًا) المتقدم وبحديث (اسكنوا في الصلاة) عند أبي داود ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص فلا يعارضه ما ذكروه وهكذا يقال في كل فعل كثير ورد الإذن به كحديث حمله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأمامة. وحديث خلعه للنعل. وحديث صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على المنبر ونزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك. وحديث أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدرء المار وإن أفضى إلى المقاتلة. وحديث مشيه لفتح الباب الآتي بعد هذا الحديث وكل ما كان كذلك ينبغي أن يكون مخصصًا لعموم أدلة المنع. ـ واعلم ـ أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها) وهذا يوهم التقييد بالضربة. قال البيهقي: وهذا إن صح فإنما أراد واللَّه أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور فقد أمر صلى اللَّه عليه وآله وسلم بقتلها وأراد واللَّه أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم: (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية) قال في شرح السنة: وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير ونحوها. 2 - وعن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه ووصفت أن الباب في القبلة). رواه الخمسة إلا ابن ماجه. الحديث حسنه الترمذي وزاد النسائي: (يصلي تطوعًا) وكذا ترجم عليه الترمذي. قوله (والباب عليه مغلق) فيه أن المستحب لمن صلى في مكان بابه إلى القبلة أن يغلق الباب عليه ليكون سترة للمار بين يديه وليكون أستر وفيه إخفاء الصلاة عن الآدميين. قوله (فجئت فمشى) لفظ أبي داود: (فجئت فاستفتحت فمشى) قال ابن رسلان: هذا المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقًا وهو من التقييد بالمذهب ولا يخفى فساده. والحديث يدل على إباحة المشي في صلاة التطوع للحاجة.
1 - عن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضى الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم ثلاثًا صلى أو أربعًا فليسجد سجدتين وهو جالس). متفق عليه. وقال البخاري: قال عمر: (إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة). قوله (وله ضراط) جملة اسمية وقعت حالًا. وفي رواية بدون واو لحصول الارتباط بالضمير. قال عياض: يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ويقربه رواية مسلم بلفظ: (له حصاص) بمهملات مضموم الأول وقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو. قال في الفتح: والمراد بالشيطان إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن أو الإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة. قوله (حتى لا يسمع التأذين) ظاهره أن يتعمد إخراج ذلك إما ليشغله سماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافًا كما يفعله السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف حتى يحدث له ذلك. قوله (فإذا قضى) بضم أوله والمراد به الفراغ والانتهاء ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل والمراد المنادى. قوله (أقبل) زاد مسلم عن أبي هريرة فوسوس. قوله (فإذا ثوب) بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع وقيل هو من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره. قال الجمهور: المراد بالتثويب هنا الإقامة وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم. وقال القرطبي: ثوب بالصلاة إذا أقيمت وأصله رجع إلى ما يشبه الأذان وكل من يردد صوتًا فهو مثوب وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن من الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة. قال الخطابي: لا تعرف العامة التثويب في الأذان إلا من قول المؤذن في الأذان الصلاة خير من النوم لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة. قوله (حتى يخطر) بضم الطاء. قال الحافظ: كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو وجه ومعناه يوسوس. وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه. وأما بالضم فمن المرور أن يدنو منه فيشغله وضعف الهجري في نوادره الضم مطلقًا. قوله (بين المرء ونفسه) أي قلبه وكذا هو للبخاري من وجه آخر في بدء الخلق. قال الباجي: بمعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها. قوله (لما لم يكن يذكر) أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة وهو أعم من أن يكون من أمور الدنيا أو الآخرة. وهل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها لا يبعد ذلك لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان كذا قال الحافظ. قوله (حتى يضل الرجل) بضاد مكسورة كذا وقع عند الأصيلي ومعناه يجهل قال الحافظ في الفتح: وعند الجمهور بالظاء المشالة بمعنى يصير أو يبقى أو يتحير. قوله (إن يدري كم صلى) بكسر الهمزة وهي التي للنفي بمعنى لا. وحكى ابن عبد البر عن الأكثر فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة. قال القرطبي: ليست رواية الفتح بشيء إلا مع الضاد فيكون إن مع الفعل بتأويل المصدر مفعولًا لضل بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته. وفي رواية للبخاري (لا يدري كم صلى). والحديث يدل على أن الوسوسة في الصلاة غير مبطلة لها وكذلك سائر الأعمال القلبية لعدم الفارق. وللحديث فوائد ليس المقام محلًا لبسطها. قوله (إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة) أي أدبر تجهيزه وأفكر فيه.
1 - عن أبي مالك الأشجعي قال: (قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة قريبًا من خمس سنين أكانوا يقنتون قال أي بني محدث). رواه أحمد والترمذي وصححه ابن ماجه. وفي رواية: (أكانوا يقنتون في الفجر) والنسائي ولفظه: (قال: صليت خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي عليه السلام فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة). الحديث قال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن. وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني والبيهقي أنه قال القنوت في صلاة الصبح بدعة. قال البيهقي: لا يصح. وعن ابن عمر عند الطبراني قال في قيامهم عند فراغ القارئ من السورة يعني قيام القنوت إنها لبدعة ما فعلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفي إسناده بشر بن حرب الرازي وهو ضعيف. وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم في كتاب القنوت بلفظ: (ما قنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في شيء من صلاته) زاد الطبراني: (إلا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان يقنت في الصلوات كلهن) وكان معاوية يدعو عليه أيضًا قال البيهقي: كذا رواه محمد بن جابر السحيمي وهو متروك. وعن أم سلمة عند ابن ماجه قالت: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن القنوت في الفجر) ورواه الدارقطني وفي إسناده ضعف. والحديث يدل على عدم مشروعية القنوت وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم كما حكاه الترمذي في كتابه وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وقال: قد صح عنهم القنوت وإذا تعارض الإثبات والنفي قدم المثبت وحكاه عن أربعة من التابعين. وعن أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكاه المهدي في البحر عن العبادلة وأبي الدرداء وابن مسعود. وقد اختلف النافون لمشروعيته هل يشرع عند النوازل أم لا وذهب جماعة إلى أنه مشروع في صلاة الفجر وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار ثم عد من الصحابة الخلفاء الأربعة إلى تمام تسعة عشر من الصحابة ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ ومن التابعين اثنا عشر ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق الفزاري وأبو بكر بن محمد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي. وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه وعن الثوري روايتان. ثم قال: وغير هؤلاء خلق كثير. وزاد العراقي عبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وداود ومحمد بن جرير وحكاه عن جماعة من أهل الحديث منهم أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وأبو عبد اللَّه الحاكم والدارقطني والبيهقي والخطابي وأبو مسعود الدمشقي. وحكاه الخطابي في المعالم عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وحكى الترمذي عنهما خلاف ذلك. قال النووي في شرح المهذب: القنوت في الصبح مذهبنا وبه قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم وحكاه المهدي في البحر عن الهادي والقاسم وزيد بن علي والناصر والمؤيد باللَّه من أهل البيت. وقال الثوري وابن حزم: كل من الفعل والترك حسن. واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات وفي صلاة الوتر من غيرها. أما القنوت في الوتر فسيأتي الكلام عليه في أبواب الوتر. ـ وأما القنوت ـ في صلاة الصبح فاحتج المثبتون له بحجج منها حديث البراء وأنس الآتيان ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما النزاع في استمرار مشروعيته فإن قالوا لفظ كان يفعل يدل على استمرار المشروعية قلنا قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين أنها لا تدل على ذلك سلمنا فغايته مجرد الاستمرار وهو لا ينافي الترك آخرًا كما صرحت بذلك الأدلة الآتية على أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا عن الفجر. وأيضًا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ههنا فهو جوابنا. قالوا أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قنت شهرًا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) وأول الحديث في الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعًا للنزاع ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي قال فيه عبد اللَّه بن أحمد: ليس بالقوي. وقال علي بن المديني: إنه يخلط. وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا. وقال عمرو بن علي الفلاس: صدوق سيئ الحفظ. وقال ابن معين: ثقة ولكنه يخطئ وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط وحكى الساجي أنه قال: صدوق ليس بالمتقن وقد وثقه غير واحد. ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن عبيد وليس بحجة. قال الحافظ: ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قلنا لأنس: (إن قومًا يزعمون أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يزل يقنت في الفجر فقال: كذبوا إنما قنت شهرًا واحدًا يدعو على حي من أحياء المشركين) وقيس وإن كان ضعيفًا لكنه لم يتهم بكذب. وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم) فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة انتهى. ـ إذا تقرر لك هذا ـ علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة. وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم. ومن حديث أبي هريرة عن ابن حبان بلفظ: (كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد) وأصله في البخاري كما سيأتي وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل. ـ وحاصله ـ ما عرفناك وقد طول المبحث الحافظ ابن القيم في الهدى وقال ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قنت وترك وكان تركه للقنوت أكثر من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين وكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت وقال في غضون ذلك المبحث: إن أحاديث أنس كلها صحاح يصدق بعضها بعضًا ولا تتناقض وحمل قول أنس ما زال يقنت حتى فارق الدنيا على إطالة القيام بعد الركوع وقد أسلفنا الأدلة على مشروعية ذلك في باب الجلسة بين السجدتين وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل فإنه إنما سأل أنسًا عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه وبأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال وهذا قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف اللَّهم اهدني فيمن هديت الخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ونشأ من لا يعرف غير ذلك فلم يشك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا مداومين على هذا كل غداة وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أنه فعله وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علمه الحسن بن علي إلى آخر كلامه وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن. واعلم أنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقًا كما صرح بذلك صاحب البحر وغيره. 2 - وعن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قنت شهرًا ثم تركه). رواه أحمد. وفي لفظ: (قنت شهرًا يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه) رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وفي لفظ: (قنت شهرًا حين قتل القراء فما رأيته حزن حزنًا قط أشد منه) رواه البخاري. قوله (على أحياء من أحياء العرب) هم بنو سليم قتلة القراء كما سيأتي في حديث ابن عباس. قوله (حين قتل القراء) هم أهل بئر معونة وقصتهم مشهورة. والحديث يدل على عدم مشروعية القنوت في جميع الصلوات. وقد جمع بينه وبين حديث أنس الدال على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما زال يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا بأن المراد ترك الدعاء على الكفار لا أصل القنوت. وروى البيهقي مثل هذا الجمع عن عبد الرحمن بن مهدي بسند صحيح والقنوت له معان تقدم ذكرها في باب نسخ الكلام والمراد في هذا الباب الدعاء. [فائدة] في البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس أن القنوت قبل الركوع. قال البيهقي: رواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون. وروى الحاكم أبو أحمد في الكنى عن الحسن البصري قال: صليت خلف ثمانية وعشرين بدريًا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع. قال الحافظ: وإسناده ضعيف. قال الأثرم: قلت لأحمد يقول أحد في حديث أنس إنه قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول قال لا يقوله غيره خالفوه كلهم هشام عن قتادة والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين وغير واحد عن حنظلة كلهم عن أنس. وكذا روى أبو هريرة وخفاف بن إيماء وغير واحد. وروى ابن ماجه من طريق سهل بن يوسف عن حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت في صلاة الصبح قبل الركوع أم بعده فقال كلاهما قد كنا نفعل قبل وبعد. وصححه أبو موسى المديني كذا قال الحافظ. 3 - وعن أنس قال: (كان القنوت من المغرب والفجر). رواه البخاري. 4 - وعن البراء بن عازب: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقنت في صلاة المغرب والفجر). رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه. قوله (كان القنوت) أي في أول الأمر. قوله (في المغرب والفجر) تمسك بهذا الطحاوي في ترك القنوت في الفجر قال: لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك وقد عارضه بعضهم فقال: أجمعوا على أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك أملا فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وقد قدمنا ما هو الحق في ذلك. 5 - وعن ابن عمر: (أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللَّهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل اللَّه تعالى: رواه أحمد والبخاري. الحديث أخرجه أيضًا النسائي. قوله (إذا رفع رأسه من الركوع) هكذا وردت أكثر الروايات كما تقدم قريبًا. قوله (فلانًا وفلانًا وفلانًا) زاد النسائي يدعو على ناس من المنافقين وبهذه الزيادة يعلم أن هؤلاء الذين لعنهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم غير قتلة القراء. وفي رواية للبخاري من حديث أنس قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت) وفي رواية للترمذي: (قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم أحد يقول اللَّهم العن أبا سفيان اللَّهم العن الحارث بن هشام اللَّهم العن صفوان بن أمية فنزلت) وفي أخرى للترمذي: (قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدعو على أربعة نفر فأنزل اللَّه تعالى الآية). والحديث يدل على نسخ القنوت بلعن المستحقين وأن الذي يشرع فعله عند نزول النوازل إنما هو الدعاء لجيش المحقين بالنصرة وعلى جيش المبطلين بالخذلان والدعاء برفع المصائب ولكنه يشكل على ذلك ما سيأتي في حديث أبي هريرة من نزول الآية عقب دعائه للمستضعفين وعلى كفار مضر مع أن ذلك مما يجوز فعله في القنوت عند النوازل. 6 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد اللَّهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللَّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف قال: يجهر بذلك ويقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللَّهم العن فلانًا وفلانًا حيين من أحياء العرب حتى أنزل اللَّه تعالى: رواه أحمد والبخاري. 7 - وعن أبي هريرة قال: (بينما النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي العشاء إذ قال سمع اللَّه لمن حمده ثم قال قبل أن يسجد اللَّهم نج الوليد بن الوليد اللَّهم نج المستضعفين من المؤمنين اللَّهم اشدد وطأتك على مضر اللَّهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف). رواه البخاري. 8 - وعنه أيضًا قال: (لأقربن بكم صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعد ما يقول سمع اللَّه لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار). متفق عليه. وفي رواية لأحمد: (وصلاة العصر) مكان صلاة العشاء الآخرة. قوله (اللَّهم أنج الوليد) فيه جواز الدعاء في القنوت لضعفة المسلمين بتخليصهم من الأسر ويقاس عليه جواز الدعاء لهم بالنجاة من كل ورطة يقعون فيها من غير فرق بين المستضعفين وغيرهم. قوله (اشدد وطأتك) الوطأة الضغطة أو الأخذة الشديدة كما في القاموس. قوله (كسني يوسف) هي السنين المذكورة في القرآن. وفيه جواز الدعاء على الكفار بالجدب والبلاء. قوله (قال يجهر بذلك) فيه مشروعية الجهر بالقنوت. قوله (في صلاة الفجر) بيان لقوله في بعض صلاته. قوله (لأقربن) في رواية الإسماعيلي: (إني لأقربكم صلاة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم). قوله (وكان أبو هريرة) الخ. قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلاة المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة ويوضحه ما ذكره البخاري في سورة النساء من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء ولأبي داود: (قنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في صلاة العتمة شهرًا) ونحوه لمسلم ولكن هذا لا ينفي كونه صلى اللَّه عليه وسلم قنت في غير العشاء. وظاهر سياق الحديث أن جميعه مرفوع. قوله (في الركعة الآخرة) قد تقدم بيان الاختلاف في كونه قبل الركوع أو بعده. قوله (فيدعو للمؤمنين) هم من كان مأسورًا بمكة والكفار كفار قريش كما بينه البخاري في تفسير سورة آل عمران. وهذه الأحاديث تدل على مشروعية القنوت عند نزول النوازل وقد تقدم الكلام عليه وقد اقتصرنا في شرحها على هذا المقدار وإن كانت تحتمل البسط لعدم عود التطويل على ما نحن فيه بفائدة. 9 - وعن ابن عباس قال: (قنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع اللَّه لمن حمد من الركعة الآخرة يدعو عليهم على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه). رواه أبو داود وأحمد وزاد: (أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام فقتلوهم) قال عكرمة: كان هذا مفتاح القنوت. الحديث أخرجه أبو داود من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس وأخرجه أيضًا الحاكم وليس في إسناده مطعن إلا هلال بن خباب فإن فيه مقالًا وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما. قوله (في دبر كل صلاة) فيه أن القنوت للنوازل لا يختص ببعض الصلوات فهو يرد على من خصصه بصلاة الفجر عندها. قوله (إذا قال سمع اللَّه لمن حمده) فيه التصريح بأن القنوت بعد الركوع وهو الثابت في أكثر الروايات كما تقدم. قوله (من بني سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام قبيلة معروفة. قوله (على رعل) براء مكسورة وعين مهملة ساكنة قبيلة من سليم كما في القاموس وهو وما بعده بدل من قوله من بني سليم وقوله من بني سليم بدل أيضًا من الضمير في قوله عليهم وفي قوله (وعصية) تصغير عصا سميت به قبيلة من سليم أيضًا. قوله (وذكوان) هم قبيلة أيضًا من سليم.
|